ثورة 25 يناير: صحوة أمة



في نسمات شتاء القاهرة، جاء يناير 2011 كأي شهر آخر - لكنه سرعان ما سيحفر نفسه في وجدان أمة بأكملها. الشوارع التي طالما همست بالسخط ستتردد قريباً بخطوات الملايين، يرتفع صوتهم الجماعي فوق أفق المدينة العتيق الذي شهد آلاف السنين من التاريخ.


ثقل الأمس

ارتدت مصر ما قبل الثورة تناقضاتها كثوبٍ بالٍ. ألقت أبراج القاهرة الجديدة اللامعة بظلالها الطويلة على أحياء عاشت فيها أجيال حياة لم تتغير، وظلت أحلامهم أسيرة لأنظمة تحجرت على مر العقود. حمل الخريجون الشباب شهاداتهم التي بدت تعد بكل شيء لكنها لم تقدم إلا القليل، بينما ظلت دهاليز السلطة ضيقة بعنادٍ، لا يصل إليها سوى قلة مختارة.

كان الهواء مثقلاً بالمظالم غير المنطوقة - وحشية الشرطة التي أصبحت مألوفة لدرجة أنها بالكاد تثير الحواجب، وقوانين الطوارئ التي امتدت عبر ثلاثين عاماً كليلٍ لا ينتهي، وسياسات اقتصادية عمّقت الهوة بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون سوى كرامتهم.


ثمانية عشر يوماً غيرت كل شيء

عندما خطا أول المتظاهرين إلى ميدان التحرير في 25 يناير، حملوا معهم أكثر من مجرد لافتات وهتافات - حملوا ثقل سنوات من المعاناة الصامتة، والطموحات المكبوتة، والإهانات الصغيرة التي أصبحت أخيراً ثقيلة للغاية. ما بدأ كموجة صغيرة سرعان ما تحول إلى تسونامي من البشر سيجرف معه ثلاثة عقود من اليقين السياسي.

تحول الميدان إلى أكثر من مجرد موقع جغرافي - أصبح نموذجاً مصغراً لما يمكن أن تكون عليه مصر. هنا، عالج الأطباء المرضى بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية، وناقش الطلاب مع باعة الشوارع مستقبل بلادهم، وشكّل المسلمون والمسيحيون سلاسل بشرية لحماية بعضهم البعض أثناء الصلوات. أزالت الثورة الحواجز الاصطناعية التي قسمت المجتمع، كاشفة عن الإنسانية الأساسية التي تربط جميع المصريين.


صباح اليوم التالي

ظهرت مصر ما بعد الثورة متطلعة إلى فجر جديد، كغرفة أضيئت فجأة بعد سنوات من الظلام. جلب ما بعد الثورة المباشر تعاقباً مذهلاً من التغييرات - سقوط مبارك، وصعود قوى سياسية جديدة، وصياغة الدساتير، والإدراك المؤلم بأن الثورات، مثل الأطفال حديثي الولادة، تتطلب الصبر والرعاية والوقت لتقف على قدميها.

كانت الإصلاحات التي تلت عميقة وغير كافية في آن واحد - وهو تناقض ربما يعرّف كل اللحظات الثورية. اهتز جهاز الأمن لكنه لم يتفكك، وأُطلق سراح السجناء السياسيين بينما اعتُقل آخرون، وتعثرت الإصلاحات الاقتصادية بين الأنماط القديمة والتطلعات الجديدة.


أصداء باقية

اليوم، يتردد صدى تأثير الثورة إلى ما هو أبعد من حدود مصر، مثل تموجات في بركة تستمر طويلاً بعد أن يغرق الحجر في القاع. أظهرت أن قوة العمل الجماعي ليست مجرد مفهوم نظري بل قوة يمكنها إعادة تشكيل الواقع. أثبتت أن الكرامة، متى استيقظت، لا يمكن إعادتها بسهولة إلى النوم.

لا تزال دروس ميدان التحرير تؤثر في حركات العدالة الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وتعيش روحها في قلوب أولئك الذين يؤمنون بأن عالماً آخر ممكن. قد لا تكون الثورة قد حققت كل ما وعدت به، لكنها غيرت إلى الأبد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الممكن والمستحيل.


في النهاية، ربما كان التأثير الأعمق لثورة 25 يناير ليس في التغييرات السياسية المباشرة التي أحدثتها، بل في الطريقة التي غيرت بها فهم الشعب المصري لنفسه - قدرتهم على الشجاعة، وقدرتهم على الحلم، وقوتهم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع، حتى لو كان ذلك لثمانية عشر يوماً استثنائية هزت العالم.