الجلسة (٢)



[Guest Writer]: IG | @_hamza_zain

الجلسة (٢)

اخبرتك سابقاً؛ ما لم أبح به اليوم، لن أجعلك تجهله كثيراً، لم أكن مدركاً حينها أن ما أريد إخبارك به لا يصلح للبوح..

لن أحتمل حكماً ظالماً من أحد، لا استطيع أن أتعري بهذا القدر، اعلم أنه ليس من الصواب أن تسعي جاهداً للهرب من أمر حدث دون النظر له بعنايةومعالجته، لكني لست بهذه القوة، أخشي أن تظلمني أذني وتنزعج بما أبوح به قبل الأشخاص، أعلم أن ما حدث لا يزال آثاره باقية، الندبة لا تزال في جسدي،لكن ما باليد حيله..

اذاً لماذا جئت اليوم، جئت لتخبر نفسك أنك ضعيف؟ أم لتخبرني أنني غير قادر علي المساعدة؟ ام لتطلب مني مرة أخري ان اصرف لك ورقة بها بعض اساميالمهدئات؟..

اخبرتني الجلسة الماضية أن الكتابة هي الخطوة الأولي، لم استطع الكتابة منذ الجلسة السابقة، لا اعلم ماذا يحدث في كل مرة، الحروف تتضاءل، والكلماتتتقلص، أشعر حقاً أن ما بداخلي يحتاج إلي الكتابة عنه، هذا هو الحل الوحيد علي الأقل الآن، كل ما بداخلي يحتاج الخروج علي هيئة كلمات وعباراتصريحة، ولكن هناك شئ يمنعني لا أستطيع أن أخرجه، خروجه يكون اعتراف واضح بما حاولت سنوات لأخفائه..

يوم بعد يوم والكابوس لا يتوقف، اصبح يطاردني في كل وقت، كنت اظن انه يهاجمني اثناء النوم فقط، لكن الآن اصبح معي اينما اكون، اري وجهه في كلوقت، اري حزنه الصامت وهو ينظر لي كأنه يريد ان يلعنني، بالأمس؛ أستلمت دعوة عشاء من مجهول، ظننت حينها ربما تكون مفاجأة من أحدي أفراد عائلتياو ربما صديق في محاولة لرؤيتي بعد اكثر من ثلاثة أشهر لا اقبل فيهم التواجد مع أحد، ثلاثة شهور من العزلة تكفي ان تجعل الجنون يتمكن من شخص، لماتخيل في يوم ان يصل بي الحال الذي يجعلني لا استطيع تحديد ان كان هذا كابوس مفزع اثناء النوم او هذا الواقع الاكثر فزعاً، وعلي غير العادة كان هناكشيئاً ما بداخلي يدفعني لهذا العشاء، لذلك لم اتردد كثيراً في اتخاذ القرار.. 

وقبل منتصف الليل؛ رجل قد تجاوز الخمسون عاماً كان يجلس أمامي في أحدي المطاعم المشهورة بفنادق القاهرة يبدو حزيناً للغاية او ربما، اعرفه جيداً، لميفارقني خياله في الثلاثة أشهر السابقة بأكملها، صامتاً اراقب بعض علامات الشيب في رأسه التي لم استطع ملاحظتها من قبل، وبعض التجاعيد المبكرة التي ارتسمت بوضوح علي وجهه معلنة تقدم العمر، لا اعلم من هذا، ولماذا انا هنا الآن، أسئلة وعلامات أستفهام كثيرة بدون مساحة للأجابة الي الان كأننيأنتظر جرساً يعلن ابتدأ وقت الأجابة، “تنهيدة“ اخرجتني من تلك الدوامة المليئة بالاسئلة لتعيدني للتركيز لأستقبال آولي الكلمات من تلك المجهول، “لا شئيؤذي الروح أكثر من بقائها في أماكن لا تنتمي إليها، يتمني الكثير منا أن يعود به الزمن للوراء لتصليح ما قام بأفساده، العودة عند نقطة معينة كانت بهالحظات فارقة لأتخاذ قرار مخالفاً لما قرر حينها، وربما البعض يود لو عاد به الزمان لنقطة البداية معتقداً انه قادراً علي اعادة تشكيل حياته من جديد، الجميعيردد؛ ماذا تفعل لو عاد بك الزمن للوراء وأعيدت لك كل أيامك الفائتة دون ادراك للحقيقة المفزعة، الحقيقة أن ذلك لو حدث فلن يجد اي جديد، لأسباب كثيرة منهاعلي سبيل المثال؛ اننا فقدنا خبراتنا التي حصلنا عليها في اتخاذ الطريق للمرة الاولي لذلك الامر ما هو الا حلقة سخيفة تعاد لمرة أخري، وأيضا لأننا نبعثلتلك الحياة محملين بصفات وراثية تتعلق بقدراتنا العقلية والنفسية بالإضافة لعوامل البيئة المحيطة بنا وكل هذا يشكل المنتج النهائى الذى هو أنت، لذلك لا مفرمما حدث، ما حدث امر واقع لا يمكن الهرب منه، اما ان تتقبل هذا وتبدأ بشكل جديد او تستمر في الصراع الازلي الذي سينهي بيك المطاف علي هذه الطاولة؛رجل في الخمسين من عمره يجلس وحيداً في أحدي المطاعم المشهورة بفنادق القاهرة يلعن الطريق الذي سلكه بالخطأ منذ أكثر من ثلاثين عاماً *وانت تفعلهذا بنا الان* لذلك اقسم لك لو كلفني الأمر ان انهي حياتك سأفعل قبل ان تأتي بي الي هنا“

اشعر بالإختناق يليه ضيق في التنفس، قبضة في القلب الذي سرعته تتزايد كلما اتذكر هذا، كأن كتلة من الهواء تقف عقبة بين دخول الهواء وخروجه، معدتيتتقلص كمن يضغط عليها ويداي ترتجفان، جلدي يتخلله قشعريرة في نفس الوقت كأن كل اجزاء جسمي اصابها الشلل، فقط دقات قلبي من تتسارع، حتىعقلي يصيبه الشلل... 

#حمزة_زين