الشجرة المزار



أكان تاريخ جذور شجرة حضارتنا هزيل لتسقط؟
 تاريخ كل أمة خط متصل، وقد يصعد الخط أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع التاريخ  , البعض يظن أنه ليس مواكبا للعصر و البعض ينكر أهميته و يزعم أن دارسيها  لم يعودوا من أصحاب الجيوب  و يزعم أيضا البعض أن دراسته ما هي إلا مضيعة للوقت و سبب آخر في تخلفنا وعدم تحضرنا  فنفر منها الناس و توارت بين الأيام لذا جئت اليوم أطعن في كل تلك الاتهامات لذلك فسمحولي أن أثبت مدى قابلية التاريخ في أستخدامه  أن أتحدث بلساني العربي نعم العربية لأنها أصبحت الآن شئ يذكرنا بعبق الماضي
دعونا اولا ان نعرف التاريخ ليس ذلك التعريف الأكاديمي لأنه يصيبني بالملل مما سأشرع  لقوله , إن التاريخ هو تلك القصة الشعبية التي تقص في إحدى الأمسيات مع جدك و جدتك بينما تتسامرون أو تلك المخلفات الأثريّة في دولابهم، والأعمال الفنيّة، وكذلك الكتب والمدونات والتّقاليد  يذكر المؤرخون المسلمون بشكل عام أنّ علم التّاريخ هو العلم بأحوال النّاس وعاداتهم وبلادهم وأنسابهم ورسومهم بالإضافة إلى شخصيّاتهم، والهدف من علم التّاريخ هو معرفة أحوال النّاس الماضية والاستفادة منها, بمعنى أن التاريخ هو كل ما حدث بالأمس و كل ما حدث فيه له أثر على الحاضر بالتالي سنجد وجهه في مستقبلنا أيضا وذلك يعتبر ميداناً مهمّاً للدراسة و سأعرفكم لماذا
لكن اسمحولي بينما أحكي لكم عن أهميته أن أجعلكم تطلون من إحدى النوافذ التاريخ العربي لأريكم مدى روعته  فيقول البروفيسور الدنماركي سورين مولر انه لا يجوز دراسة الموسيقى الغربية بدون الرجوع الي الموسيقي العربية و السنباطي و محمد عبدالوهاب و تلك الفواصل الصامتة التي ورثها العرب من الأناشيد والابتهالات الاسلامية لذلك دعونا نتعرف علي ماضينا
في الماضي، كان أهمية دراسة التاريخ  منحصرة في الحكم على المثقفين من غير المثقفين -5- لكن اهمية  تكمن في كون التّاريخ  من أهم العناصر الّتي يستند عليها أي مجتمع في تطوّره أو انحطاطه، كما يحصل في الحضارات ذات النزعة الدينيّة  فالنصوص الدينية فبدأت بالكتاب المقدس، وتأخذ بالتطور  إلى أن يصير تراثاً كاملاً  يتضمن العديد من المجلدات والمؤلفات الضخمة  أن التاريخ يبرّر المفاهيم القوميّة والمُثل و الفنون و التعليم  و التاريخ يساعد علي زيادة النمو الاقتصاديّ لذلك خصص ابن خلدون معظم مؤلفاته لإبراز أهميّة التّاريخ وقد ذكرأنّ التّاريخ هو فن تتناقله الأمم والأجيال، فدراسة التّاريخ تصف العلوم الطّبيعيّة والفلسفيّة وقد اندفعت الأمم إلى دراسة التّاريخ لأهميّته في معرفة وإدراك الحقيقة واتخاذ مواقف من تجارب السّابقين تكمن أهميّة دراسة التّاريخ في أخذ العبرة من الماضي وتجنّب الوقوع في الأخطائه ومحاولة البحث عن حلول لهذه الأخطاء والقدرة على التّخطيط وربطها بالحاضر و تنبؤ بالمستقبل وعندما ننظر الي الماضي ايضا علينا النظر إلى أبطاله كالجميلة جميلة بوحيرد التي وقفت بكل بسالة امام جيشا كاملا من الاحتلال الفرنسي في الجزائر ... أنّ التّاريخ له علاقة وثيقة بمختلف العلوم؛ فدراسة هذه العلوم المختلفة تُعتبر دراسة للتّاريخ فالبحث العلمي المنتظم الذي يولي اهتماماً بالغاً به حتّى تكون قائمة على أسس دقيقة ومتينة واعطيكم مثال قريب الأبحاث التي اوصلتنا الى تصوير الثقب الأسود فكانت بدايتها عند نيوتن الذي استفاد منه أينشتين الذي لولاه ما كانت لأبحاث ستيفن هوكنج وجود و التي انتهت عند  Event Horizon Telescope (EHT) team ألم يكن العرب على مقدرة الأطلاع على كتب ابن الهيثم و البيروني في الفلك للحاق بهم بل أيضا في الفوز عليهم في ذلك المجال ففي الرياضيات لم نكن لنا تلك الأسبقية لولا اطلاع علماء مثل الخوارزمي علي ماضي و تهذيبه و في علم الجبر ذكر الباحث "سمث" أن بعض الإفرنج المتأخرين نسبوا كلمة جبر إلى جابر بن أفلح وقالوا أنه واضع علم الجبر، إلا أن الحقيقة ان علم الجبر ينسب إلى الخوارزمي ايضا من الواضح اننا ندين له بالكثير و دراسة التّاريخ ايضا تغرس فينا حب الوطن لما ستكتشف ما اغني ذلك الوطن بتاريخه و تحمله لقسوة الزمان فيُقدِّم التاريخ مخزنًا هائلًا من المعلومات حول كيفية حركة الشعوب والمجتمعات عندما نرغب في تفسير شيءٍ ما أو حدثٍ ما , مثلًا فيما يتعلق بالتحول في هيمنة الأحزاب السياسية في الكونغرس الأمريكي أو التغير الكبير في معدلات الانتحار بين المراهقين أو حرب البلقان أو حروب الشرق الأوسط و اذا اردنا حل لكل تلك المشاكل فعلينا ان نعود الي الوراء و أن نبحث عن العوامل التي أدت إلى ظهور أحداث مشابهة لتفسير أسبابها , و نعم لقد كلمة " مشابهة " متشابهة ففي تطلعك للتاريخ كثيرا ما تقول ما أشبه الليلة بالبارحة فلقد صادفنا منذ أيام قليلة الحرب على مسلمي الإيغور ألا يذكرك هذا بحرق اليهود و نجد إلى يومنا هذا المجتمعات التي لا تزال تحتفظ بنفس أسلوب حياتها القديم بالرغم من هذا التغير الذي طرأ على غيرها  فيجاوبنا التاريخ على ذلك اللغز ويزيد من الوعي الثقافي وتحديداً للثقافات الأخرى،حيث يستطيع فهم تصرفات الشعوب المختلفة وتقبلها بشكل أفضل، مثل فهم التوترات العرقية التي حصلت في أميركا بعد القيام بإلغاء العبودية، وما زالت هذه التوترات قائمة حتى الوقت الحاضر . في علم الاجتماع يحاول بعض علماء صياغة قوانينٍ ونظرياتٍ حول السلوك البشري، لكن حتى هذه النظريات تعتمد في الأساس على معلوماتٍ تاريخية . لذا لا يُمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال إهمال التاريخ ; لأنه يقدم لنا القاعدة الواسعة والوحيدة لتأمل حياة المجتمعات وتحليل حركتها ,  و التاريخ أيضا يجعلنا نكتسب مهارات كالتحليل ، و القدرة على تحديد أولويات المعلومات لأتخاذ القرارات المناسبة بشأن أمرٍ ما، و يكسبنا هيبة الحديث فمن يرغب في معرفة سبب حدوث أمر ما في الوقت الحاضر يمكنه التوجّه لسؤال علماء الاجتماع أو الخبراء الاقتصاديين؛ لكن للحصول على خلفية أكثر عمقاً عن الموضوع فيجب سؤال متخصص التاريخ عن الأمر لما يمتلكونه من معلومات عن الماضي ويمكنهم فهمه وشرح علاقته مع الحاضر , دراسة التاريخ تجعل الشخص أكثر معرفة واستكشافاً للأمور، أو صناعة أشياء جديدة لم تكن معروفة سابقاً، ويستفيد منها الجيل الحالي، وتظل مفيدةً للأجيال التالية، عندما يتم تطويرها لتتوافق مع التطورات الحديثة ومثال على ذلك  أننا إذا بحثنا في التاريخ نجد ان حجر رشيد الذي سمح لنا بغرف من نهر العلم السائر الذي تركه لنا أجدادنا  و الذي اذا اكتشفناه مبكرا قليلا لكنا واكبنا تلك الحضارات الأوروبية  في عصر التنوير و لاثبت لكم اسبقيتنا في الاستكشاف فقد سبقنا كريستوفر كلومبس فالملاح  قرطبي  الخشخاش بن الأسود  قد اجتاز المحيط الأطلسي الى أن بلغ أرضا مجهولة في 889 وعاد بكنوز غالية وفي خريطة المسعودي هناك أرض كبيرة في بحر الظلمات  أشار لها بأنها: الأرض المجهولة .
 دارس التاريخ يمكنه العمل في التعليم و السلك الدبلوماسي والمراكز البحثية و الصحافة و الإعلام و السياحة و المتاحف لكن ليس  ما يعنيني أن يكونوا ذي علم هم ذي الجيوب لكم ما اعنيه ان تثبتوا جذوركم في الأرض حتى لا تسقطوا من أقل هبة ريح