ابن موت


كل مرة أعود فيها لتلك المدينة يكون لها طعم خاص. حتى الطريق تلك المرة كان أطول من ما ذكرت. سرحت في كل المناظر و اللقطات التي تمر بها سيارتنا، بعضها كان مألوف و كنت على يقين أني رأيته قبل ذلك، و البعض الأخر غير مألوف و محزن- كالجزء من الطريق المطل على بحر حتى إنك تستطيع أن ترى السفن تمر بجانبك، لكن مصممي الطرق قد قرروا أن من الأنسب و ضع سور يحجب الرؤيه عن البحر تماماً-. كانت و ماذالت أول محطه في تلك الرحلة هي الأكثر ألم و حزن، زيارة المقابر. بغض النظر عن عائلتي المفطور قلبها و أننا لم نزر شخص واحد، بل عدت أقارب منهم من رحل من عشارات السنين و منهم من توفى من بضعت أشهر؛ لاحظت مجموعه من الأصدقاء يقفون على قبر شخص مجهول - بنسبة لي- و يستمعون للقرآن بتمعن و يرددوا الأدعية كصدى صوت للشيخ. لم يمر الكثير من وقت حتى ودعوا الشخص النائم في قبره و رحلوا. أقتربت من القبر؛ كنتيجة لفضولي. الأسم كان مكتوب و معه تاريخ الوفاة الذي مر عليه سنة و بضعت أسابيع. عندما كررت الأسم عدت مرات تذكرت اللافته التي رأيتها في شارع بيت جدي - المقيم في تلك المدينه- التي كانت ترجوا من الماره الدعاء لشاب متوفي، لا يتعدى عمره العشرين عام. هل كان يتنبئ هذا الشاب أنه سيموت في سن صغير؟! أم كان يتوقع أنه سيصبح جد لأربع أحفاد بعد أن يتزوج تلك الفتاة التي لا تدرك مشاعره أتجاها حتى الأن؟ المرعب أن هذا الشخص كان لا يفرق في الشكل عن أي شاب عادي تراه يومياً.كل هذا التفكير دفعني لتذكر العبارة التي كانت تصف بيها جدتي أي شخص صغير في السن و نقي "أكثر من اللازم"-كأن هناك قدر من النقاء يجعلك تنجوا في هذا العالم و بمجرد تخطي هذا الحد تصبح فريسة لكل من حولك-بأنه "أبن موت" و كأن الموت ليس مجرد قضاء و قدر بل كأنه علامة على عدم أنتماء الإنسان لشر هذا العالم. كنت دائماً أكره زيارة المقابر لأني كنت أشعر أني في المكان الأقرب للموت، لكني أقبل عليها؛ لأنها المكان الوحيد الذي يجمعني(بشكلاً ما) بها.