Guest Writer: Alyaa Abdelghaffar @alyaabdelghaffar



٨ ديسمبر
١:١٤ بعد منتصف الليل، الاسكندرية في تلك الليلة ذات السماء المبشرة بمناخا قاسيا ، تقف امرأة ثلاثينية ذات جسم نحيف و خصر معرج في شرفتها حاملة فنجان قهوة سادة الذي اصبح عادة كل ساعة متجاهلة مرارته التي لم تذكر مقارنتا بمرارة ايامها التي تعجز عن التفريق بينم من شدة تشابههم. ترى الحسرة في عينيها بالعين المجردة، تراقب و تسرح و في الخلفية اصوات تشويش الراديو الذي اكاد اجزم انها لم تكن منتبهة له من شدة اتقانها للشرود في ظلام الكون حولها .. كأنها انفصلت عن كل ما حولها. لتأتي بها لحظة تشعر فيها بإختناق بالغ نابع من التحكمات المحاطة بها، و كأنها تأبى ان تكن جزء من واقع هزلي يحكم اعتمادا على المظاهر و يتجنب الغوص في الجوهر. انصرفت من منزلها بلا مقصد و لأول مرة تشعر كأنها عصفور اطلق سراحه و خرج ليستعيد انفاسه مجددا. ظل هواء ديسمبر العنيد الذي يضرب كل شئ بلا رحمة، يبدلها من مكان لأخر و كأنه يخبرها بأن روحها مازالت حيا، رآتاها لم تقف وظائفهما بعد عن استقبال الهواء و لكنهما فقط اختنقا من هواء شقة مغلقة لم يدخلها سوى دخان سجائرها. شعرت و كأن حيزت لها الدنيا بتلك النظرة التي سرقتها للبحر خوفا من نظرات الخلق لها و كأنها اجرمت لكونها انثى تسير وحدها في مجتمع متخلف يتباين بإحترام الحرية. جلست على رمال الشاطئ التي تشبهت بحبات الثلج المفروك و كأنها تقصد تعذيب جسدها بالبرد القارص الذي كان ينتهك عظامها املا في تنقيته من الهموم. ضمت ركبتيها الى صدرها و بدأت تتأمل البحر في سكون غريب. اصبح البحر الذي كان الد اعدائها هو مؤنسها الوحيد، تطمئن بصحبته حيث يمكث فيه طيفه الذي مازال يراودها. اصبح الشئ الوحيد الذي يداوي جرحها هو حديثها اليومي مع هذا الشبح كالمجاذيب. تعاتبه و تخبرهه كم الاذى الذي تسبب لها فيه عندما غفل عن كشف المعنى الحقيقي للحياة لها، لم يخبرها عن شدة قسوتها، لم يشرح لها كيف تمضي الحياة بدونه. تركها وحيدة ضعيفة تحيطها اشواك الحياة من كل جانب و كانت كل شوكة تمثل ذكرى معه كانت تظن وقتها انها ستؤنسها في غيابه لكن حدث العكس تماما. اصبح قلبها كحلبة السباق يتسارعون على تشويهه، كانت تسقط دموعها بغير ارادتها و كأن البكاء اصبح شريكها في ذلك المشوار. شعرت و كأن لم يجب ان يكن هو مصدر اطمأننها الوحيد حتى بعد رحيله تجد ببساطة بديل لهذا المصدر لتكمل حياتها، الى ان يلتقوا في سلام يوم يقول الكل نفسي نفسي. عندما تحرش بها الليل بنجومه و مخلوقاته، انتبهت لبرودة الجو من حولها و لخلاء الشاطئ من الانفاس و لأناملها المرتعشة، ادركت أهمية عودتها لمنزلها الذي لا يقل برودة عن الرمل المثلج في ذلك الشاطئ. غادرت مودعا ريح أبيها الذي كان يعتبر البحر مئواه من غدر البشر، كان يروي لها عن مدى اهمية البحر في تنقية روحه و ملئ قلبه بمشاعر عذبة.
غادرت تاركة قلبها و لسانها اللذان فقدا حاستهما، منذ رحيل الذي كان يرويها حبا و حنانا.